الليبي محمد النعاس الفائز بـ”البوكر” لـ”النهار العربي”: المثقفون لا يغيّرون المجتمع

حوار: ديانا سكيني

يجاهر محمد النعاس بعدم سعيِه الى تغيير المجتمع. تشغله رواية قصة الإنسان وتظهير مشاعره وكوابيسه وأحلامه. وقد يحدث أن يصنع المشترك الإنساني خيطاً يربط قرّاء كثيرين بالنصّ، لكنّ الكاتب الليبي الشاب ضد “الأيدولوجيا الجاهزة والتنظير”، ولا يعتقد بدور المثقف في التغيير الجذري.

“خبز على طاولة العم ميلاد”، هذه الرواية الفائزة بالجائزة العالمية للرواية العربية “البوكر”، عرّضت كاتبها لهجومٍ من “المحافظين” الذين رأوا فيها تشويهاً لصورة الرجل الليبي وتكوينه.

“خطورة” الأمر أنّ هناك من يحمّل الرواية مضموناً ينفيه الكاتب الذي يدعو مراراً الى قراءة نصّه، وهذا ما أكده في سياق ردّه على سؤال الحملات ضدّه، رغم إقراره بأن النقد أمر سليم. ولكن لا ريب في أن الذود عن الرواية وتوضيح ما نُسب إليها يقعان أيضاً في خانة بلاد مكشوفة.


يوغل النعاس في صوغ مفهوم الجندرة من خلال كشف خبايا شخصية العم ميلاد الذي يتبادل الأدوار مع زوجته في محاولة لإعادة صياغة معنى الرجولة وتقديم صورة مغايرة عن السائد، لا تنجو من التحديات التي تمزقها.

حضر جدل الرواية في معرض الشارقة للكتاب الدولي الذي نواكب فعالياته، ورأى النعاس في تنوّع الآراء ظاهرة صحيّة، رافضاً استنتاجات تناول الرواية المثلية أو الإلحاد، ومردّداً: “اقرأوها”.

على هامش معرض الكتاب، التقينا الكاتب الليبي في حوار قارب الأدب والتحرّر الاجتماعي ومواجهة الانتقادات في بلد مثل ليبيا.


لا تعكس الرواية مسار تمرّد اجتماعي عاشه النعاس في تكوينه الفكري، ويقول إنه ينتمي الى بيئة تقليدية، من تاجورة (ضاحية في طرابلس) ومجتمع منغلق على نفسه. والى الآن، أغلب النساء فيه لا يكملن تعليمهن، وحين يكملنه فإما تعمل المرأة مدرّسة أو تربّي الأولاد. ويضيف: “أمّي ربّة منزل ووالدي موظف حكومي. ولا يوجد نموذج نسائي خرج الى العمل في طفولتي. كما أن مجتمعي ليس قارئاً، لا مكتبة لبيع الكتب في منطقتنا. تربيت مع حكايات الناس وثقافتهم الشفوية. فالمجتمع الليبي حتى الآن يسجّل تاريخه باللسان، والثقافة الشعبية هي الأكثر تأُثيراً. والمرة الأولى التي اصطدمت بفكرة القصص وجمالها كانت عبر عمّي الذي كان قاصاً بالفطرة ويعرف كيف يجذبك الى تفاصيلها، وكانت قصصه من الخيال ومع كائنات أسطورية وأحياناً مخيفة. طوال عمري، أحببت الاستماع الى القصص”.
 
يصف طفولته بالعادية: “كنت دائماً أتخيّل السيناريوات وأنا شارد الذهن. وفي عمر الـ18 سنة، أمسكتُ للمرة الأولى بكتاب غير مدرسي”.

ولكن كيف يدفع الأدب بمفاهيم التحرّر الاجتماعي؟ يجيب: “في بداية الخمسينات من عهد المملكة الليبية، كانت المرأة لا تخرج من البيت. حينها شنّ شباب ومثقفات حملة ضدّ الفراشية (لباس تقليدي يغطي كل جسد المرأة) وحاولوا نزعها الى أن اختفت تقريباً. أقول إن حركات التحرّر الاجتماعي لنيل الحقوق الأساسية موجودة وليست جديدة. النساء يطالبن بحقوق أكبر، لكنها تأخذ وقتاً. هناك نساء يزوجن من دون الأخذ برأيهن، والمرأة لا تطلب حقوقاً كبيرة، بل ما يكفي ليعيش الإنسان بكرامة داخل بلده. تزوجت من امرأة تعمل خارج نطاق الأعمال المتعارف عليها، هي قارئة مثقفة تتحدّاني فكرياً. وأنا في عملي لا أحبّ التنظير على أحد. ولو تكلّمنا على وضع المرأة في ليبيا، الناس يفهمون القصة ويحبّونها بالفطرة. لذلك من الأفضل أن نقدّم القضية في قالب انساني. وفي رأيي، المجتمع لا يغيّره المثقفون والمفكرون، آخذين في الاعتبار النسبة القارئة غير الكافية. المفكّر قد يؤثر في تفكير القارئ. لكنّ التغيير يأتي من السياسيين الذين يفرضون التغيير على مجتمعاتهم”.

لم يخطط النعاس لإثارة قضية تحرّر اجتماعية موضحاً، “حين كتبت الرواية ما كان في تفكيري هو مساءلة النص الشعبي. واستخراج قصة منه. كانت نواة الرواية معرفة وضع العمّ ميلاد في المجتمع الليبي من خلال قصته التي تسير عكس السائد، هو الرجل الذي يبحث عن معنى الرجولة ويتبادل الأدوار التقليدية مع زوجته فتنفجر في وجهه التناقضات، وهو ما توافق مع قضية حقوقية وطرح صوتاً آخر في النتيحة لكنّي لم أكتب العمل بفكر ايديولوجيا. أنا ضد الأفكار المسبقة. وأستاذنا إبراهيم الكوني يقول: الايدولوجيا ضد الإبداع”.

يجد النعاس أن الرواية لم تُقرأ جيّداً ممّن قاموا بالحملات، ولكن “من الطبيعي حين تكتب عن شخصية كالعم ميلاد، أن تستفز بعضهم، فليقرأوا الرواية ثم يعلقوا”.

 
نقارب موضوع علاقة التراكم الثقافي ودور الملهمين في إنتاج الرواية. يقول مصارحاً: “لا أفهم الأدب لكنّي أكتبه”. وفي رأيه أنّ “في العالم العربي نظرة كلاسيكية للكاتب بأنه فيلسوف ومنظّر، علماً أن هناك مجتمعات تجاوزت هذا الموضوع. وثمة كتّاب يلتقطون اللحظة الإبداعية، وحين نشرت الرواية لم ترد في بالي جائزة “البوكر” التي أوصلت صوتي الى قاعدة أكبر من القراء ومنحتني فائدة مالية”.

 
ويحاول النعاس تحرير نفسه من المسؤولية الكبيرة للخطوة التالية، “هناك عمل أدبي بدأت في كتابته وليس بالضرورة أن يخرج بطريقة “كويسة”، لكنّ شغفي بالكتابة وسرد قصص الناس أكبر من أي شيء آخر”.

*النهار