محمد زعل السلوم: الفن السوري العراقي يتألق في ليون

افتتح في دائرة ليون الأولى مركز الفن والنشاطات الثقافية المرموقة لمدينة ليون وتحديداً في الكروا روس، معرضاً للفن التشكيلي الكردي العربي في سوريا وبلاد الرافدين، وقد نظم المعرض الفنان التشكيلي السوري خليل حمسورك بالتعاون مع غاليري سوليد آرت، وتزامن المعرض مع افتتاح عيد الأنوار لوميير الليوني الشهير أوروبياً وعالمياً
استمر أربعة أيام.

وكذلك افتتاح معرض في الصالة المجاورة لصالة معرض فنانينا ولنحاتين فرنسيين، لاقى المعرض السوري اهتماماً فرنسياً نخبوياً رغم تزامنه مع عيد الأنوار لوميير حيث تعج ليون بحضور حوالي مليوني سائح دفعة واحدة، وليالي ينقطع فيها السير خاصة في منطقة البريسكيل حيث مركز ليون، ورغم ذلك كان للمعرض صدى مقبول، استمر حتى 20 ديسمبر كانون الأول 2023.
ضم المعرض أعمال خمس فنانين تشكيليين منهم أربع فنانين سوريين هم خليل حمسورك من الرقة ونجم سمان من إدلب وعليا فركوح من حمص والفنانة التشكيلية السورية سوزدار سيدو، ومن الموصل في العراق الفنان التشكيلي حقي هاني.
تميز كل فنان بأسلوبه الخاص ورؤيته المفاهيمية ويتبع مدرسة ومسار يعبر عن شخصيته بشكل أعمق، وكان لخليل حمسورك حضوره المميز في أسلوبه الذي اشتهر به على مدى عقود وهو الرسم عبر الحرق على الخشب، وله دور كبير في ليون لتعليم الأطفال هذا النوع من الأعمال، ويشارك أيضا في مارشيه نويل الحالي 2023 في بيراش، ويقدم فيها أعماله على شكل لوحات تذكارية بالحرق على الخشب، لكن لوحاته بالغاليري الحالي تتميز بتفوقه المعتاد ورسائله المعتادة حول المرأة والبيئة المحيطة بنا كالمرأة شبه العارية الصدر والتي تحمل الجرة على رأسها، والرجل المسن الأشبه بالعاري ليعبر عن الذكورية ربما وربما الفقر المدقع والانحدار، وغيرها من اللوحات التي عبرت عن روح الفرات والتي تتميز عن غيرها من البيئات السورية، بما فيها لوحته التي رسم فيها ابنته في قلب صالة سقفها خشبي
حيث كان الغاليري مركز لصناعة الحرير وأنوال الحرير، ويعد هذا لفتة جميلة للفرنسيين وتكريم واحتفاء بالفنانين التشكيليين السوريين ومن العراق، فيما عرض النحاتين الفرنسيين في قاعة مجاورة شبه مجردة من حميميتها، وكأن طريق الحرير يمر بالفعل عبر الرافدين والشام، ولو أن إضاءة الصالة للنحاتين الفرنسيين أفضل، إلا أن قاعة التشكيل السوري العراقي أكثر حميمية وتقترب من حميمية تلك اللوحات الدافئة والوجدانية روحاً ورسالة.
أيضاً مشاركة نجم سمان لفتت نظري وأنا أعرفه كاتب وصحفي وله أعمال مسرحية ومجموعات قصصية وغني عن التعريف عنها في مقالنا هذا. إلا أنني فوجئت بأنه طور موهبته في الرسم خلال إقامته بفرنسا في بيزانسون، وكان قدومه ليوم الافتتاح غاية بالأهمية، وللمفارقة افتتحت أنا شخصياً، مهرجان لوميير ليون الذي أحضره لأول مرة في حياتي بلوحته شمعات سورية تحترق، وكأن تلك الشمعات السوريات افتتاحية هامة لمهرجان الأنوار الليوني لأحفرها بذاكرتي الشخصية، ولوحة شجرة السؤال ولوحة الطرق السورية حيث التيه والضياع بلا هوادة ولوحة السوريون يذهبون للسماء ولوحة الراقصة ولوحة غابته المقابلة لمنزله في بيزانسون، ألوانه كانت أقرب للقلب وحوارها حميمي صادق تعبر عن الوجع السوري، أما لوحات الفنان العراقي من الموصل حقي هاني فقد أدهشنا بأكثر من عمل على السيراميك واستغرقه كل عمل على السيراميك عشرات الساعات إضافة للوحات على الحبر، بينما قدمت عليا فركوح من أعمالها ما يقترب من البيئة الصامتة والحارة التقليدية في مدننا القديمة وبرؤية تصويرية تقليدية لكنها تذكرنا بمدننا الغائبة الحاضرة في قلوبنا مثل أبنية الوصلات في الحارات العتيقة والتي تتحول أشبه بالمظلات في الأزقة الضيقة وتتعانق المنازل فيما بينها، كل لوحة حكاية لوحدها بقناعة من صنعها وقناعة المتلقي والرائي لها، ربما القناعتان تلتقيان وربما تختلفان لكنها رسائل في النهاية، وقد ركزت بالمقابل الفنانة سوزدار سيدو على الوجوه المتطاولة في لوحاتها المشاركة وكأنها وجوه وشخوص من الحياة المسحوقة وتلك النظرات والمصير التائه والتطلع نحو المجهول البعيد.