مينا بشير: حب كاتم للصوت ونصوص اخرى

دعوةٌ لاستيقاظِ العُروبة
أنصِت أيها التاريخُ الأصَم، استيقظ أيها الضمير!
أمازلت هاجِعًا مُتَلَحِّفًا بالجُبن؟!
ها هم أبطالُنا يصنَعونَ تاريخًا جديدًا، يُطلِقونَ شمس الصباحِ من بَيادِقِهم الحُبلى بالأمل.
دقَّت أخيرًا أجراسُ الثورة، انتَعَشَت قَضيتُنا الكبرى من جديد. فلسطين.. الابنةُ البِكر للعُروبة، وردةُ الشرقِ
الحَمراء. . ها هم أبنائُها يثورونَ على العالمِ أجمَع، و في عيونهم تَراكمَت شَراراتُ العِتاب، ها هم يغتَصِبونَ
النصرَ من رَحِمِ التاريخِ التَعَسُّفي، يجلسونَ على عتَبةِ الشهادة، و يَرسُمونَ بدِمائهم الطازجةِ حُدودًا لدولةٍ لا
تُقهَر.
إنهم اليوم، يضَعونَ للشجاعةِ و البَسالةِ مَعاييرَ جديدة، يكتُبونَ كلماتٍ ابتَلَعَها الشرقُ لزمنٍ طويل، ويضَعونَ
للتضحيةِ عنوانًا آخر، عنوانًا أكثرَ صِدقًاً، و أقربَ إلى وهَجِ الحقيقة.
احتَرِقي أيتها الخَرائِط، افرح و تهَلَّل يا تشرين، فقد وضَعنا على صدركَ وسامَ الثورةِ الأبَدية، و كتَبنا على
جَبينكَ عنوانَ الصَحوة. استيقظ يا درويش، استيقظ يا مُريد البرغوثي، استيقِظ يا كنَفاني. ها هم لُيوثُنا
يَسيرونَ بين الأسرى بهاماتِهم المَرفوعة، و يَنثُرونَ فوق رؤوسِهم الزعتر.
اصبري يا عَروسَنا، انتَظِري أيتها الحُرّية، ها نحن نَدنو من الحُلمِ المُستَحيل. . .

حُب كاتم للصوت
أحِبَّني، أحِبَّني لكن بصمت ..
فأنا أفَضِّلُ ذلك الحُبَّ الصامت.
أريدُ أن أعيشَ قصّةَ عشقٍ بَكماء، حكايةً تولَدُ وسطَ الزِحام، و في صخَبِ الأحاديث، حيث تلتَقي أنظارُنا
سِرًّا في ذلك الشارعِ الخَفي المُمتَدِّ بيننا و المُبَلَّطُ باللَهفة. دعنا نرقُصُ رقصتَنا السِرّية تحت المطر..
راقِصني بعَينيكَ دون أن يلحَظَ أحد،
راقِصني على إيقاعِ الصمتِ الطويل، راقِصني..

انتَزِعني من هذا العالمِ بمِرساةِ عينيك، أيها العاشقُ الصامت..
لنكتُب معًا قصيدةً من النَبَضات، لنَلثُم جبينَ القدَر، لأنه جادَ علينا بصُدفةٍ جديدة، منَحَنا فُسحةً جديدةً لنُمارسَ
حُبَّنا الكاتِمِ للصوت.
وسطَ صَقيعِ المُجامَلاتِ المُزيَّفة، لا أجدُ دِثارًا سوى ابتِسامَتكَ الصادِقةِ الدافِئة، لا أجدُ مهرَبًا سواك..
لا تتَكَلَّم معي، لأن الكلامَ يُزيلُ قِشرةَ الغُموضِ التي أحِبُّها، و يُفسِدُ كل شيء.
لنبقى صامِتين، لنعشَق و حسب..

الوجه الآخر للجمال
دائمًا أقولُ أنَّ المرأةَ المُثقَّفةَ المُعَلَّقةَ على قَشّةِ الوعي و السادِرةِ في عُمقِ الحَقائِقِ شبه المُبهَمة تكونُ أشدَّ
سِحرًا و جاذِبيةً من المرأةِ الجميلةِ الجَوفاء. فالجمالُ الفارغُ ليس سوى جَذوةِ فتنةٍ مُؤقَّتة، جَذوةٍ مُستَعجِلةٍ
سريعةِ الاشتِعالِ و الانطِفاء.
في الحقيقة، يَسهُلُ على هذا العالمِ و على الذُكورِ تَحديدًا مُقاومةُ المرأةِ الجميلة… لكن من الصعبِ جدًا
مُقاومةُ تلك الأنثى الجَدَليةِ المَوزونةِ المُثقَّفةِ و المُتعَلِّمةِ تَعليمًا حقيقيًا. ذلك أن الفكرةَ الصحيحةَ لا تُقاوَم، إنها
ساحِرةٌ و آسِرةٌ إلى أبعَدِ حَد، بل إلى حَدِّ الجنون.

  • مينا بشير، كاتبة عراقيّة