اغتصاب “أتون جهنم الكبرى”

فواز القادري

إلى:

الأرواح التي فارقت الأجساد

أرواح مشبوحة أرواح على قيد العيش

أجساد بلا أراوح وتحلم بوردة

إلى سوط يفهم ما فعل ويفعل

إلى أيدي وحوش صنعت كل هذا الدم

وأعادت عجلة الإنسان إلى قرون الهتك الأقصى

إلى إنسان عاجز

يرى ويسمع ولا يفعل شيئاً!

إلى السوريين وكل شعب

مرّت على روحه مقصلة الاغتصاب.





لا تفارقيني

وردتك تتفتّح في مكان ما

ومازال عندي تأويل أخير!.

عبور

الخبز اغتصاب

الجسد اغتصاب

الحجر اغتصاب

الحرّية من نزفت كل هذا الوقت.

أدور على مقاهي الأرصفة
أحكي قصة أصابعها المبتورة قبل الاغتصاب
لباسها الداخلي الملوّث بشرف العالم
عينيها المفقوءتين بعده
المنجل الذي سرق أطرافها 
قبل أن تمشي خطوة الحب الأولى
العتمة الكاتمة لا ترعب
المخيف هو النور
الضوء شديد ولم 
يحدث شيء في الظلام
ليست امرأة تروي غصّتها وتنتهي
ليست بيت أيتام أو محطة قطار أو قنّ دجاج
ليست قرية أو مدينة أو قطاراً مهجوراً
بلاد مسفوحة النهدين
ومسفوحة الدم والدمع 
اغتصاب لا يرتدي أقنعة
يتدلّى كمشنقة من نار وصراخ.

**

أسكب الصباح كما تنسكب غيمة
اغتصاب مالح اغتصاب مرّ
اغتصاب يخرج شرراً مع الأنفاس
أسكب الصباح 
على كل بقعة من ظلامها المهول
الزنزانة عتمة مشعّة
الصرخة العالقة في الحنجرة
هواء قديم معتقل
القيد عاصفة ساكنة في جسد هزيل 
اغتصاب الأسارير وسرقة احتمال التورّد من الوجه
هناك في بئر الصمت الداكن
خلف جدران السجون العالية
آلاف الأجساد المعطوبة
هياكل عظمية تلفظ الروح.

**

في الصباح التالي
سأكسر هذه المرآة الفاجرة
علي شفتي ابتسامة وسيمة
وتريني وجهاً حزيناً ودموعاّ وكآبة
اختفت الأشجار التي اغتسلت معي 
في عاصفة هذا اليوم الثلجية 
غدا أو بعد غد
ساتمرأى في ينابيع الجبال الشاهقة
حيث الثلوج عذراء ولا تغش
عندما أجد وجهي ثانية
سأعتذر للكلب من صراخي عليه
كانت أنثاه تعبر الطرف الآخر من الحديقة
تمرأى في عينيها ولم يعد
أخذته رائحة يعرفها
حزين أنا 
وجه امرأة مرآتي
يردد قصة اغتصابها دون بكاء.

**

بنت على قيد الحياة
خيال تراه ولا تراه
تتكلّم يخرج من فمها لهب بلا صوت
بركان غضب صامت يمشي على قدمين
لاكت أفواه تمساحيّة جسدها وبصقته رمّة من رمم
ماتت البنت
وظلت تأكل وتشرب ولا تنام
كرهت نهديها منذ أن ترك الجلاد
آثار أسنانه عليهما 
ماتت عيناها منذ أن قرفص وتحرك في رحمها جنين الرعب
ماتت شفتاها وذبل الرحيق
ماتت قدماها منذ أن صارتا على كتف الجنرال!
وحولهما وفوق رأسه تلمع نجوم الهتك!

**

زمن طويل من الاغتصاب
سيرة يقطر منها دم الكرامة ودم الخبز
وطن يتفكّك وتتكاثر تماثيل الطاغية
تتعالى آهات الناس وصرير المجنزرات 
قبل تاريخ تفكيك الاغتصاب 2011
في عصر الهتك الحجري
عصر كيماويّ ينام في أسرّة ورئات الصغار
زمن ديناصوري
في عصر أنوار سيارات الدفع الرباعيّ وجنون الطائرات
الهراوة حنونة والرصاصة أرحم من فتح الفخذين في الأسر
الأضواء على السجون وغرف النوم
اغتصابات عصرية بمفاهيم وأسلحة وأديان
ثورة تُغتصب من كل جهاتها
تتناهبها دول عظمى 
أقزام مسوخ دول خنثويّة تتمرجل
أحزاب مزابل ميليشيات ضباع.

**

هنا في البعيد
كل نجمة تحتها غريب
كل شاعر فوقه كوكب يدور
كل دمعة فوقها عين ترتجف
كل سماء تمد ذراعيها
لتحتضن سرباً تائها من الطيور
كل وردة حول خصرها يد عاشق تتعرّق
كل امرأة شرفة على العالم
أنا الذي لا ينهزم
لا أتكلّم فقط عن الاغتصاب
لا أجر أذيال الخسائر معي
لكن البلاد على وشك أن تفطس
القناديل غير صالحة للاستعمال
والأقمار عرجاء تتعكز على الظلام
الصبر أحمق وسيّئ السمعة
القصائد من عجينة ناشفة
العصافير تأخّرت على الصباح.

**

من اغتصب تلك البنت الميتة في الشارع؟
مقيّدة الأيدي وعيناها معصوبتان
ودمها يصرخ على الفخذين
ومن ثم لا غطاء ولا قبر
كيف سأقفز إلى دمعة أخرى؟
الكلمات لا تشفي الغليل
احتمال السقوط وارد
أنا الذي يستعير الأعياد المستعملة
قرعتُ تلك الطبول التي بلا صوت
ورقصتُ مثل درويش أعرج
أفتّش الصباح عن أغنية غير حزينة
عن ابتسامة تنتظرني في الطريق
الحذاء المستعار كبير على أقدام الصغير
الخجل مدهون بالأحمر الفاقع
من اغتصب ضحكته في العيد؟
الفرح في الأسواق على قفا من يشيل 
يذهب الشاعر ويعود
يد من أمام وأخرى من خلف
بقلب لا يخلو من الدمع.

**

كأنني نمتُ ألف عام من القلق
كانت البلاد معروضة للبيع 
ثمنها بخس وتتويج عاهة سيّداً عليها
كل شيء كان اغتصاباً فصيحاً
هتافات دراويش البرلمان
هتاف عاهة المفكرين والمطربين والشعراء
ساسة أحذية تلمع وتتبدّل حين تشتدّ الحاجة
براغ صدئة ومفكّات تصلح لجميع القياسات
صحوت بعد ألف من الصرخات
لم يقل أحد أنا بريء من هذه المذبحة
أصابع الصغار تشير إلى شهود خرس
يحركون أفوههم ولا يخرج الكلام
نزفت الوجوه الأعين
لهذا اختفت الدموع!

**

لا أسمّيكِ سبيّة
وكل هذه الأحلام تدور حولك
أسمّيك وردة وأذكّر آذار بكِ
اغتصابك سنوات تدمع
أسمّيك حرّة
وأسمع خطواتكِ في الآفاق
أراك قريبة والأبعاد تتهشم كزجاج هش
أفتح الليل بالأقمار على مصراعيه
طفل يغني بلا سبب
على بابكِ والريح تقطر من الجهات
أنا راعي سراب لا يغش
هذا ظلكِ على الأرض
والشمس تتراقص في صباح قريب.

**

لم يتغيّر طعمكِ بعد الاغتصاب
جسدك حريقي
أشتعل أدخنه وأسعل
فاكهتك مازالت على الأشجار
أشتهيها وأسعل
يتشرّبك الكيماوي
أتنفّسك أعيش بك وأسعل
أصوم عنكِ أصلّي وأسعل
الربيع فيها ليس زهرة أو قبلة مسروقة
ليس نحلة وفراشة ورحيقاً
ليس طريقاً تمشي عليه سيارات مطمئنة
ليس شرطي مرور يختار أجمل الأحصنة
يكتب مخالفات للقبح والخراب
وقت عاشق هو الربيع
ميزان الفصول وبيضة القبّان
أنجبته الطبيعة بعد حالة حب لا تتكرر.

**

بجانبكِ أنا
وأنتِ تحتالين على الدمعة كي لا تخرج
الدمع كلام ملح سائل
الدمعة معلّمة بارعة في المآتم
أو نخّاس يلتقط السبايا من حضن الأمهات
الدمعة جلاد بلا قلب
تخرج أوجع ما فيها بعد الاغتصاب
ولكن من يقدر عليها
بعد أن ينشف كل شيء:
“الصرخة خشبة في فرن
الابتسامة حالة فم معوج من كثرة الهصر العنيف
قدماكِ عامودان لحميان منفرجان لا يستريحان
يتبادل على الدخول بينهما
دول ومرتزقة وجيوش! “

**

سنة ثامنة
من سنوات ورحمها مفتوح
من رحمها قبل الاغتصاب
من رحمها بعده
من رحمها قبل أن تتحوّل إلى زنزانة كبيرة
وقبل أن يتكاثر “جوج وماجوج”
وقبل أن يتعملق كابوس في منام الأولاد
جئتُ ومعي نذوري
تلّ من سنوات تتراكض
وطن من سراب في مشيمة الخوف
وكنتِ وردة في يد ديناصور
وديعة وأغلالكِ من شمس وزوابع
تتفرّجين كيف تهصرني العتمة
الأشجار هراوات وتيجان
لا نيران من خشب وكهرباء
من الظلال خرجت دمعة الضوء
وعلى ظهري طوابير العسكر.

**

ما أقلّ الذي يفرح باغتصابك!
ما أكثر الذين ينتظرون جفاف يديك!
يدفنون غيمة ويحتفون بالغبار
ما أكثر الذين يقفون تحت نجمتك العروس!
يفتحون الهاوية ويهيلون التراب
ما أكثر الذين يتساقطون!
ترتفع الأرض ويتشبثون بسراب ثقيل
وأنا قلت لأمي:
“نسيتني ذراعاك
لم يكفني الحليب
ولم أشبع من الغناء
على فمي حبيبات دافئة
حطّت على كتفي حمامتكِ بلا بشائر
على عينيها شريط حزن أسود
وأنتِ ينتظرك المدى الازرق وغرغرة الأبعاد”.

**

أيها الشاعر المفجوع!

كيف تستطيع أن تحيط بسيرة مهول الاغتصاب؟
رجل في الستين كان
عبر صنوف التعذيب كلها
 لم يقل كلمة واحدة عن ابنه المطلوب
حتى صار أقرب إلى جثّة عارية
بدأ ينهار والسجان يعتليه
بحث عن الموت 
صرخ لكن البركان لم يخرج من الفم

اغتصب الرجلُ في زنزانة قويّة الضوء
في عينيه اختلط النهار بالليل

اغتصب حتى الصباح والصياح والبكاء

اُغتصاب ناموس الحياة وشرف البلاد!

**

هذا الرنين الموجع لي
لعنة لعنة مشيت إليكِ
وكان الزمان دعابة الموت على الأحياء
هدية مفخّخة بالرموز
لم يفهم أحد أحجية الشاعر عن القيامة
ولم يكتشف أحدث أسطورة عن الأغتصاب
هذا الأنين لها
الصور تتشابه وينقص كل جسد يداً
أو روحاً تالفة
لا يستعيد أحد شيئاً منها
العالم لا يملك آذاناً من رصاص لكنه يتجاهل أعلى الصراخ
وأنا لم أستطع تسوية الأمر
بيني وبين حزنها القديم
بين الخوف والصباح
تتناسل الكوابيس من أحلامها
كأن البلاد ابنة شرعية للمناحة.

**

دم بكارتها على إصبع الجندي
تتألم الصغيرة ولا تستوعب الأمر
يزحف فوقها ويفرغ شهوته الملعونة
تركض نحو أمها المحشورة في الزاوية
ودمها يشرشر على فخذيها
الأم تشاهد تتشنّج وتبكي بلا صوت
الأخ الصغير مرعوب

 ترجف في معدته كسر الخبز ويتعمل الجوع
جثة الوالد في أرض الدار
الجنرال يقهقه بعد أن أفرغ فيها الرصاص
الجنود يبتسمون ويتحلّقون حوله
يشتم يبتسم ويرفع إصبعيه
إشارة انتصاره على العائلة المغتصبة!

**

من اغتصب البيت اغتصبكَ
أنتَ شرف البلاد وناقوس الكرامة
السماء ليست لك
الطيور وهم والهواء خيال
روحك نافذة مغلقة
قلبك بئر ناشفة
يلقي العابرون الأحجار
لا صوت للماء
تعبرك القوافل ولا تمرّ عليك
أنتَ جسد يمشي
ينحني يمجّد ويطيع
الوردة لا تعنيك
زقزقة العصافير ومواء القطط
حياتك مجردة من الحياة
رقّاص في آلة الخوف
“زنبلك” يهتزّ ويرتج أنتَ
هذا حال اغتصاب حياتك
حال كل مُغتَصب أيها الذليل.

**

ذكريات أعياد مغتصبة
اليتيمة أمي بلا أبوين
في السابعة رعت أغنام خالها
في “الراشدية” قرية على سفوح ماردين
وكان العشب يمشي على راحتيها
ومطر ربيعيّ يتبع الأثر
أمي بستان متنقّل
ريحان وفلّ وذكريات حارقة
الدمع توابل الرحيل حتى الممات
كانت الأعياد بخيلة
وكانت تشعّ طفولة وفرحاً
ونيران نيروز تتلألأ بعيداً على الجبال!

**

تاريخ طويل للاغتصاب
توأم الموت الحميم
يمد بساطه الطائر على الهاوية
حتى يقفز الأولاد ويسقطون
الحزن يغتصب الابتسامة
الفقر أيضاً يغتصب
الدمعة رحيمة ولا تفعل
تشعّ أو تكدّر الأعين
ما من تاريخ واحد للاغتصاب
اغتصاب وردة جريمة لا تُغتفر
اغتصاب الرغيف اغتصاب الغناء
علاقة حمقاء متبادلة 
تاريخ لا حدود له
في كل مرحلة يفعل فعلته ويتوارى في النهار
لا يعرف الجندي أجير الطاغية المسكين
دوره المريع في الجريمة
المعنى الكامل لما يحدث
الطاغية ليس الوطن
الجنرال ليس الإله
اغتصاب اللحظة الهاربة
اغتصاب الصباح لا يطيل عمر الليل
ولا يستطيع اغتصاب أنفاس جميع الناس!

**

الاغتصاب عتمة الروح الشاملة
ليس الجسد وحده من يتفكّك ويُنتَهش
ليست الصرخات المكتومة
تنزلق من هاوية إلى هاوية
أتلمّس الليل المستلقي بجانبي
كم من اغتصاب يختفي فيه؟
كم من رجل يصير خرقة لمسح اللعاب؟
كم من طفلة يسيل ماء حيائها؟
كم من امرأة تتشظّى كمرآة على بلاط بارد؟
آلاف الوجوه تنكسر
ولا يجمعها أحد
يا زيوس الجحيم
تكسّر كل خيزرانك على ظهورنا
احدودبت أشجارنا من كثرة الانحناء
تباطأت الأنهار والأمواج رفلت بالسلاسل.

**

تعذّب نهارك أيها الطأئر الطائش
تعبت الأعشاش منكَ
تخلّت عنك الحديقة
ولم تدافع عنك الأشجار
أين خلعت جناحيك أيّها الطائش؟
لم تهادن
ولم تقف في وجه الصيّاد
أنظر حولك
تلال من جثث مغتصبة
أنظر فوقك
هذه الزرقة ليست سماء
دخان طعين بزرقة موجة محروقة
الماء الذي يتبخّر
ليس الغيمة التي تبحث عنها
أيها المخاتل المقدام
صرخات المغتصبين العالية
لا تخرج من الحنجرة
مخالبها تنشب باللحم
تعذّر رقاد أنثاك على البيض
الحرائق تحيطك من كل الجهات.

**

هل كنتُ أبتسم؟
حرّكتُ فمي يميناً وشمالاً
لا أحد ينظر نحوي ويبتسم
صحيح خرجت لتوي من قصّة آخر اغتصاب
لكني لا أبكي
أغلقتُ على دمعي ألف مغارة
وسورته بأسلاك مكهربة
وطلبت من العجائز أن يقلن رأياً
هل أبدو كمن مسه الحزن؟
هل رأى أحد في عيني بجعة مذبوحة
أو نورساًّ مشنوقاً يتدلّى
أشرعة ملفوفة بأكفان الريح
أطفالاً يركضون على السراط ويتساقطون
حرائق تشبّ في ثياب العرائس البيض
موتى يبكون على الأحياء آخر الليل!

**

لم أرث شيئاً
وكلّ هذه الخسائر والحطام حولي
سوى هذه السلاسل التي تمشي على فمي
هذا الرصاص الذي يخترقني ولايعود
هذه الأشباح النهارية التي تكتب عني كل شيء
أنا اللقمة المنهوبة من فم الجائع
القطرة من فم العطشان
أنا ريش طائر يحترق
برق ليالي بلادي السود
أصحو وعلى فمي أغنيتي كالعصافير
لا يقدر جلاد على اغتصابي بعد اليوم
لم يبق في عينيّ أمي دمع
ولا في صوتها نحيب يفيّق الموتى
صنعتني من حليب قلبها
ودثّرتني بغطاء الحب.

**

حمامة تتشمّس في يوم بارد
أعبر فيجرحها ظلّي
أقف ولا أعرف كيف يصل اعتذاري

 إليها وللشمس
رجل غريب يتدلّى من حبل أشواقه
سماء تتدلّى من عينيه
ثقوب في جمجمة النهار
الأسماك المجنونة تغتصب النهر
النهر يغتصب الغيمة الضعيفة
يتمشّى على رؤوس أصابعه
الاغتصاب لا يسأل عن أحد
لا عن ضحيّة ولا عن قانون
في بلادي أطال إقامته 
سكن العتمة وجرّح النهار 
بلا وطن وبلا ذمّة
يتجوّل حرّاً في النهار والليل
يختار الضحايا بصمت ويسكنها
إلى أن يطرده الصراخ.

**

كأنكِ نهر عابر
لا ينسبح فيك مرتين
والشام بعيدة علي
أغنّي ولا يصغي أحد
تركتُ وجهي على أبواب المقاهي
في الحارات نثرتُ نبوءتي
أتسوّل ابتسامة واحدة
كانت الدمعة من اغتصبتني
مددت يدي كي أشرب منكَ
أطلق جند الموت علي 
حفنة رمل وقفت في الحلق
أين بردى العذب؟
وماذا أقول للخلان عن الفرات؟
أأنت نهر عابر؟
الرجل الذي تسوّلكِ حين حان الحنين
غرق في الأشواق المتحرّكة!

**

حاولت أن أقنع الحب
ينكمش ويتفتت في بلادي
لا تيأس وكل ما يدور حولك زائف
هناك ما هو عابر
وهناك ما لا نهاية له
أنتَ البقاء بسلالاتك الكثيرة
أنتَ المركز يدور حولك كل شيء
الكراهية لا تستطيع أن تقف في وجهك 
تهاجمك بوحوشها المُغتَصِبة
الاغتصاب أداة الخاسر
وبذارك تنتقل من جيل إلى جيل
ومن فصل إلى فصل
تمطر فتتحوّل إلى طين
فيك كل هذا النور الكامن
به تتراسل مع الأغصان والجذور.

**

آذار العابر كالبرق 
آذار الباقي كنهر في العروق 
آذار الشاهد المتجدد
الشهيد الذي يترك خلفه البذار
أتخبّط أمامه كدمعة في عين ناشفة
لا يأخذ وردتي إلى البستان
ولا يعيدني إلى التراب
قطرة تحيي وقطرة تميت
يفهم المطر الذي طوّحته العاصفة
وانا ألملم ذيول اغتصابي
اعتذر من عصفور ينزف في الأسر
من زنزانة تضيق بساكنيها
سماء تخجل من زرقتها
وعلى الأرض كل هذا الفحيح.

**

أعبر جسر الخالدين
من يعبر معي
سيبذل العرق ويستعيد الأحلام الخاسرة
الآلهة البشرية التي من لحم ودم
تترصّد ولا تسمح
أعبر والخرافة خلفي
لا أترك جزيرة دون أثر مني
أنا مكتشف النفائس والكنوز
المعجزات التي لا تصدق
الملقاة في الزوايا المظلمة
أعبر ووحوش الأساطير خلفي
وأبحث عن أفعى ذات رؤوس سبع 
تحرس أسرار كل مُغتَصِب فان
عن أحفاده الذين يرثون أنفاس الناس
عن دمعة المُغتَصَب الرحيمة
عن قدر غاشم يقيم الحد على الضعفاء 
عن ماء الحلوق وعرق الأيادي
عن نجمة أضاعت طريقنا وأصيبت بالرمد.

**

على ظهري أنتِ وأدور بك
طعنة في الجبين
نجمة على الجبين
أنت علامتي السحريّة
أحملك وأدور البلاد
هل هي المغتصبة يسألون؟
أغير دمعتي وأمضي
ورق خريف مسنّ
يكدّسني عامل النظاف وينثرني الأولاد
أنا المشرّد في الكوانين
بلا سقف ولا غطاء
المطر بيتي والريح
نافذتي جهة على الخوف
أنا الرمال تعصفني الصحارى في الصيف
وتذروني فلا أتجمّع ولا أعود إلى البيت!

**

أسجّل وأمحو كي ألحق نفسي
ألحق المتقدم والمتأخّر
أنا طوفان نائم على كرسي في مقهى
وسادتي أحلام لا تنتهي
أطعم العصفور من يدي إلى الفم
ألتقط صورة وأخلّد المشهد
هناك من يفرّ ولا أستعيده
هناك من يستكين ويدخل في الصورة
أصدّق كل الذي فعلته حواء
كل من لمس يدها واستعاد خضاره
صدّقتُ حليبها صغيراً
وأصدّق نهديها قبل أن تدور الخمرة في الرأس
بين الفأس والشجرة 
علاقة غرام تنتهي بمأساة غالباً
وحتى بين الطائر والصياد
وحالة اغتصاب دائمة
لا تزول من الروح
بين الجلّاد والضحيّة.

**

تعافيتُ من حالة اغتصابي
بأقلّ ثمن تدفعه الأشجار
كل الذي يدور حولي جميل
كل الذي يحدث ويذكرني بالابتسامة
أنا خطأ الكتابة والقراءة
يستغفرني الشارع ولافتات الطريق
أنا الصفر المهمل
أنقل الحياة من حال إلى حال
أمجّد عرائس الأرياف
حيث رغبات الحب والدبكات
تصعد الدم إلى أعلى الرأس
تتلوّن الحياة بالورديّ
وتستعيد الأشجار أوراقها الساقطة
رغيف خبز يفتح الشهيّة على الجنس
وردة تفعل ذلك أيضاً
وليمة تخضّ الشهوات وتسحبها من العقل الباطن
أنا صُدف المدن التي لا تتكرر
قصائد الحب التي تدور من بيت إلى بيت
حتى تنام في صدور وتحت رؤوس أجمل العاشقات.

**

أتعمّد بصباح الخير من غريب لا أعرفه
وبلادي تنزف وتُغتَصب في العلن
أرتشف القهوة وأشرب الشاي
يمرّ بي الربيع كالآخرين
يبللني مطره بمتعة كالآخرين
تخضرّ أمام عيني
أوراق جارتي الشجرة
تعود إليها العصافير وأفرح 
 تعيدني رغم الحزن إلى القصيدة
أسمع ضحك الأولاد بصفائه الكامل
(مازال صوتها حزيناً في الوداع)
أحزن وأتألّم بسبب أشياء صغيرة
مثل جميع الناس
أنا لست عاطلاً عن الحب
(منذ قليل سافرتْ)
أشرب القهوة والشاي في الصباح والمساء
وأتحسّر على الدخان بسبب مرض القلب 
متخم بالحب والقصائد
أفرح لأصغر الأسباب
تتسخ ثيابي وحذائي بطينه
أنرفز وألعن الحظ
رغم أني لا أتيقّن منه
أُصاب بخيبة أمل كبيرة
لأي سوء تفاهم مع المعارف والأصحاب
لستُ صالحاً للجفاء والخلاف
حتى مع الذين يخونون الخبز والشعر والكأس.

**

لا تقف دون حراك
بلا أغنية أو على الأقل تحيّة
افتحْ النافذة دون أن تفكّر
صفّر بصوت هادئ
دون أن تحارب على جبهة الفرح
تخسر حروبك وينتصر الاغتصاب
كم مرّة ترنّح في عينيك الأمل
وجلس مُقعداً على بابك الرجاء
من عادتك أن لا تصدّ أغنية لامست قلبك
ولا تحسب الربح والخسارة أمام الجمال
تغنّي كأنك مالك أمر الصباح
وكأن الكرنفالات طوع مشيئتك
والأعراس من تُقام بنظرة منك
تسيّر الطبيعة على هواك
وتأتمر بأمرك الفصول.

**

أسقي الوردة وأكتب الاغتصاب
أصغي إلى العصفور وأكتب الاغتصاب
تمرّ جميلة أمامي
أبتسم وأكتب الاغتصاب
أمشي في الحديقة الصديقة
معي كلبي وأكتب الاغتصاب
أتكلّم مع الأشجار عن الربيع
وأكتب عن أعشاش مغتصبة
الحياة لا تنتظر أحداً
تمشي وتلعن الاغتصاب
العيش نشيد الأحياء
الجنرال الطاغية لا يفكّر
يعطي أوامره بقتل الصغار
يسمع موسيقى هادئة
ويلعب ويضحك مع أطفاله السعداء
في أوقاته القليلة
الفارغة من أوامر القتل.

**

نيسان دمعة عاشقة
كذبة الفرح التي صدّقها الجميع
بكيتُ وأنا داخل كفن سماء زرقاء
حولي طيور تشارك في التشييع لأول مرّة
لم تقرأ الفاتحة بشكل صحيح
ولم تأخذ بخاطر أصدقائي الأشباح
السماء كحلها أزرق على دخان
مراييل مدرسة اغتصبتها الطائرات
أكثر من مرة رقص الدم على صوت هديرها
وأمي تنتشلني من بين الأشلاء!:
 “لم أدخلك أي مدرسة يا ولدي الغشّاش
من جاء بك إلى هنا؟
يا سارق الكلمات من أفواه الشوارع
أيها العدّاء البطيء الذي
فاز بسباق الحب
الأعياد التي شاركت وفرحتَ بها
كانت كذبة نيسانكَ الكبرى!”.

**

اغتصاب متنكّر بالذكريات
يوم صعب دونها
يوم شقيّ وله أخوة وأقارب
تركني مثقلاً بديون صعبة
عليها فوائد ضخمة من حزن ونزق
كلّ عاشق بعيد عليه تركة صعبة من الأرق  والخوف
كلّ عاشقة تقيس الزمان على مقاس شوقها
في الصباح تتكاثر أغاني الشجن
بدل أن تفتتحه بالأغاني الخفيفة والقهوة الحلوة
أتكلّم مع شجرة في الحديقة
العاشق طائر أيضاً
يحق له ما يحق للطيور
وفي المساء 
له صفات الطيوف والسكارى
خفيف على الأرض
تلاعبه الظلال وتخدعه الأنوار
حركة بعض النساء من بعيد
هل هذا شبحكِ الذي يبتسم؟
شبحك الذي يراقبني 
يشير ويتلاشى قبل الوصول.

**

علي أن أختار
قبل أن تتنكّر الأشياء ولا تتميّز
أقفز المكان أم الزمان؟
في الحالتين مهمّة شاقة
إذا قفزت من الزمان إلى المكان
هل يختلف الأمر؟
هل يتغيّر تاريخ الاغتصاب؟
هل تتغيّر أوامر الجنرال؟
وتقلّ هيبته أمام المسوخ
مثلما انعدمت أمام الشهداء
هل تسقط نياشينه المستعارة
بدل أن يقفز إلى الكرسي
مثلاً: هل سيقفز إلى الهاوية؟
وبدل أن يضع نجوماً كثيرة على كتفيه
تسقط نجمة وحيدة على رأسه
وتستريح الأرض!.

**

أعيش الاغتصاب
أتذكّر السنجاب المتواري طوال الشتاء
يقفز من شجرة إلى شرفة الجيران
أضحك وأقلّد قفزته على العشب
يا أمي البعيدة كالحياة
القريبة كالموت
أكتب ملحمة الاغتصاب
لك نصيب في لياليها
مخفف بطعم شراب الورد
ورائحة فل وريحان “ماردين” البعيدة
قلت لك لا تخافي
سأعيش رغم كل ماشفتُ
تتوالفين مع الموت وتحكين له حياتك الفاتنة
مراراً تظاهرتُ بالنوم
أراقب الأنجم تحرس عينيك من الدمع
مَن كسر فانوس الحكاية؟
وأسال الضوء على عينيّ طفل ميت
يعرف المعنى غير الشائع للاغتصاب!

**

طفل يتيم انكسرت كل ألعاب قلبه
هل يعيد الربيع هداياه المتأخّرة؟
اغتصاب ضحكة طفل
اغتصاب العالم
الدمعة لا تشفي
أمه الغائبة لن تعود
يتسوّل العالم
الحنان والابتسامة قبل لقمة الخبز
بيته خيمة منسوجة من ريح وعتمة
في اللا مكان عنوانه الشاق
لا تصله هدايا ولا نعوات الأهل
يتوسّد الرصيف حين لا تحمله قدماه
الذاكرة انفجار اغتصب كل شيء
وشبحُ بيت الولادة.

**

وأنتِ والعالم يغتصبك بالعلن
جيش يدخل وجيش يستريح
وأنتِ عليك الموتى
أنتِ وكلّك سواد ودمع وقبور
لا أستطيع أن أسلّم عليكِ وأنصرف دون عزاء
دون أن ألمس يدك أو أقبّلك على الخدود
أنا ضعيف بأخذ العزاء
ماتت قطتي ودفنتها وحدي
ولم يعلّمني أحد كيف أبكي
علّمتني الأيام والفواجع كم الأمس

كيف البكاء شعبي وحيداً
أبتسم في وجه زائري
كأن الحياة المليئة بالحب
لا تنقص إذا اغتصبها الطغاة
وكل الذي عرفته


أن الصغار يحزنون أيضاً
وأن الأعياد ليس من الضرورة
مع العازة والخسارة أن لا تجيء بالفرح.

**

حاربت لم أحارب طواحين الهواء
ولم أحارب الأشباح التي تعيش معنا
حاربت المطر الذي يخون
الظلال التي تركع
العيون التي تبكي ولا تصرخ
حاربت حصتي التي سكتت على كل اغتصاب
فتحتْ أبوابها من الخوف
رأتني وأدارت عينيها إلى المقابر
وردتي كانت في مدخل الصباح
أغنيتي اهتزاز القلب من النبضة الأولى
أفتتح كل شيء ومعي اغتصاب هرم
أبحث عن مكان لهذا الفيض 
أقتلع الأعشاب الضارة من القصيدة
وألعن آلهة الاغتصاب.

**

لا مكان فيك للمزيد من الاغتصاب
أنا سجلّكِ الشاسع
قلبيني على مهل
أنا صفحاتك البيض
أخاف أن تسقط طفولتي
وتتسيّد الشيخوخة
من المرّة الأولى
أخاف أن تسقط ذكرياتي الناعمة 
في المرّة الثانية
تنمو مخالب الذئب في المرايا
أخاف على العصافير أن تبقى في الأسر
أخاف أن تتسع جراح الأغاني
ولا تتفكّك شراك الصمت 
أخاف على عينيكِ من العتمة
أنا الطفل الذي يلعب بالأقدار
أترك خلفي بكائي
وأدفع بالأغاني إلى الأمام.

**

في هذا الاغتصاب العميم
خفقة واحدة لا تكفي القلب
مهام صعبة ملقاة عليه
يضخّ ويضخ حتى لا تنقطع الأنفاس
الدم الساخن لا ينتظر
على عجلة يزرع ويحصد كي أتنفس
يعافر ويذهب في حال سبيله
صدقيني أنا لا أحلم بكِ
أنا حلم يتفتت عندما يطالك النوم
أقفز في الصباح كعصفور وأغني:
مكانها فارغ والموسيقى تعبث بالهدوء
لا أعرف أحداً آخر يشغلني غيرها
خفقتان تمشّي الحال
خفقة لكِ وخفقة للحب.

**

في غيابكَ وحضورك يتكرر الاغتصاب
تتكرر معه أغنية حزينة
ترافقك أينما تذهب
في السوق وأصوات السيارات
نشيج خفي يدور حولك
في الحديقة ونيسان يخرج فرحته الخضراء
جثث خضر تمشي معك وتدور حولك
في مهام الحب الصعبة
لامجال للتفكير والتردد
مثل مهام الموت والحياة
يسقط الطائر إذا تردد بالطيران
خذ مطلع أي أغنية حب
وأكمل باقي النشيد على هواك
لن تعرف في أي شوط سيسقط الحصان
في السباق الأخير؟
أم في الأغنية الأخيرة؟

**

أكتب قصيدة الاغتصاب
أنا قلب حزين مشطور إلى نصفين
شقّ تكوّر على نفسه ويذوب كالشمعة
وشق يمر كالنحل على شفاه الورد
أنا هذا الطائر الذي ينقر صباحكِ من أزهاره
السنجاب الذي يصعد أشجاركِ ويطل على الربيع
النافذة التي تتمسّح بشمسك قبل المغيب
الأغنية التي يرددها العاشق
قبل الوداع الأخير
قطرة المطر التي تفرح
حين تسقط على شفتيك وتتلوّن بالأحمر
الأرض تسمع صوت أقدامكِ
وأنت في مدينة أخرى!
الدمعة التي يداهمها حال الاغتصاب
تتجنب عينيكِ
وتنكسر وحيدة على حجر.

**

لا أطيق أن أرى المدن بلا أغنيات
سأترك قصيدتي الأخيرة
على أقرب رصيف وأنصرف
رصيف بلا ملامح ولا متسولين أو سكارى
الاغتصاب يلتهم الفصول وينجب المسوخ
يلتهم الخبز وينجب الجوعى
ليس من امراة واحدة 
لم يمتلئ رحمها بحمل كاذب
حمل من خوف الاغتصاب
رقم الآلاف قليل
يتناسل وينجب المأساة
لم يستشر الليل أحداً
يفشل وهو يحاول أن يغطي جثة واحدة
قصيدة على رصيف ترتجف من الوحدة
سيلتقطها أي عابر
بعيداً عن بلادي التي تزأر فيها الزنازين والقبور
هناك حيث الأقدام الكثيرة
والمرارات تختلف وتتشابه
وقع قلبي وتناثر على القارات.

**

أتلصّص عليكِ من ثقب في قصيدة الاغتصاب
لا أرى كل شيء 
تكفيني كلمة وإشارة من اليد
يكفي أن تقرأي قصيدتي على الريح
شعرك الشمسي يطالب بحقه
الربيع المتكاسل يسأل
البحيرة تشعل نجومها
وتتمسّح بالغيم
أتوقّف وأكتب عنك
ولا أهتم إن لم يقرأني أحد
أكتب وأكتب وأترك الأيام تتضوّر خلفي
أعتذر من دمعة البلاد الكبيرة
أعتذر من الخيام الضعيفة
أترك الشتاء الظالم ورائي
وأفرح لأنك تتباركين بالربيع.

**

بلا قصيدة الاغتصاب الجارحة
الحزن خصمي الودود
نتفاهم ونختلف لأصعب الأسباب
أنا ذرّة وهو مركز الكون يقول
تدور حوله المجرات
وتبني عروشها الخديعة والأكاذيب
في الملمّات والمآتم
البعض يعصر العين من أجل دمعة 
والبعض يبكي أنهاراً وشلّالات
دون سبب من أجل مشهد خادع 
يكسب شفقة وتعاطف الناس
الشاعر يبصر ويرى كل ما حوله 
عين حزينة وعين عاشقة
عينا الشاعر زنزانة وشرفة عندما يقل الحب
ويتكاثر الاغتصاب في النهار.

**

بحسب اغتصابك الأخير
كثرت ديون الشوق القديمة
لم أشبع منكِ لم أشبع
كل عناق غصة
كل قبلة مقصلة
مالت علي الدنيا فارغة الأيدي 
عيونكِ مصابيح الطرقات
لم تعد ترافقني في العتمة
يرافقني الفرات ويدلني عليكِ
ترافقني ذراعاك ويلهثان من بعيد
لا أتوه تتبدل البلاد وتختلف المحطّات
أصير الغريب المتكاثر
أثري أثر وردة لم ترتو من غيمها
شوقي حديقة في الإعصار
رائحة غرباء يتكثرون
أنا الطريق أمشي من تلقائي نحوك
وأجرّ الأرض معي.

**

أترنّح ومعي أنتِ
طيف مجنون وهادئ 
الحديقة ليست فارغة 
وكلبي الأبيض يراكِ وينبح بحب
أضم يدي على فراغ دافئ وأتكلّم معك:
نيسان ليس آمنا هذا العام
ريحه خفيفة باردة ولا يتذمّر الناس
أتجنّب قصيدة الاغتصاب
ألتفت إلى نباتات خضراء صغيرة 
طالعة من مقبرة أوراق الشجر
تلّ منسي من الأوراق الميتة
بالشاش ألفّ قلبي المجنون بكِ
حتى لا يقطر دماً على الطريق
الكثير من الأجساد المعطوبة
تنزف في زنازين بلادي التي بلا نوافذ
ويتهشم صراخها على الجدران 
دون أن يلفّها أحد بالشاش أو بخرق بالية
أو يطبط عليها
تتكسّر أطرافها وتذرف أياماّ كثيرة.

**

لن يتوقف عن قصيدة الاغتصاب
هناك ما يغري الأمل
الشاعر لا يتردد
يكتب الحب ويعرف قصص اغتصاب كثيرة
يبدّل الذي لا يستقيم مع الهوى
لا تشوّشه المسافات ولا الزحام
يكتب قصيدة الشارع ويعود إليكِ
يكتب الحديقة ويعود إليكِ
يكتب الاغتصاب ويعود
يعرف ما يريد الحنين القاسي
ويعود إليكِ
الأيام تكثر شيبه ويعود
يشتهي وردتك ويعود
تمطر يتبلل ويعود
ييذهب إلى مواعيد الأصدقاء ويعود إليك
يذهب أينما يذهب يعود إليك
كأنك الجهات كلها.

**

يوم طويل من سنوات الاغتصاب
وأنا على حافة العالم
وفي قلبه أنبض
أخرج من الاغتصاب إلى الحب
وحدي والقصيدة سريري الشاسع
أقفز نحوها أيتها الهاوية
لا تتدخلي بين حبيبين
لست يائساً
أكره العتمة وأحفادها من الألوان
حين أتأخّر بالنوم 
بعد أرق إلى الظهيرة
أحلم بالصباح
حتى لا يقترب الخريف
يمرّ وأزهاري تبتسم لكل عابر
يمضي وفي نفسه حسرة الخسران
ورودي مشلوحة على كل طريق
أغاني تتراقص وتدبك في الأعياد
أنتِ وحدك تتآكلين غيرة
ولم أستطع أن أفعل من أجلك شيئاً
أيتها العتمة المثابرة.

**

تكتب الاغتصاب ويسيل دم
تكتب عذراء  ينفر دم من روح أخرى
تتلوّث الحلمات بلعاب الشهوة
يغرق جسد البنت بحليب اللصوص الدنس
يد تهزّ عرش نهديها
ويد تعيد الصرخات إلى الفم
أفواه برائحة عطنة
تطبق على فمها حتى تختنق اللعنات
لم تكن الأيادي وحدها التي تفعل
الاغتصاب يتكرر بالأصابع والعصي
ولا تعرف البنت كيف تستر عورتها
يتناوب المغتصبون ولا تقوى 
على جمع فخذيها
حتى يحل عليها إغماء فاجر
تتهالك ويتناثر الرشد.

**

قبل أن يستولي عليكِ غول الاغتصاب
كنت أبني جسور الأحلام
وكان يهدم بيوت الناس الواطئة
كنت طفلاً وأهندس الأحجار تحت قدميكِ
وأطالب الأرض بالمزيد من الخبز والجريان
وأنتِ تطالبين الأنهار بالمزيد من النشاط
وتطالبين الغيوم أن تنصب أراجيحها على الحقول
فاجأنا العسكر بسيول الأكاذيب العالية
وراحوا يعرضون نهديك على القارعة
أنتِ لو مددتِ يدك مرّة
وعبرتِ دون أن يمسّكِ الغرق 
أو رفعت عينيك إلى الأعلى
لمال الشاطئ نحوي
وتشبثتُ بالظهيرة حتى يجيء الرفاق
مددتِ جسرك المعلّق وكانت المشاوير مفرحة
يزقزق الرصيف وأكبال الحديد
يمرّ الهواء خفيفاً
ويرفع أشرعة الجهات المشرقة.

**

 أنا الساكن في قصيدة الاغتصاب
أنا الخارج من قصيدة الاغتصاب
تجرّني معها ولا أتدارك نفسي
المتفتّح في ابتسامات الصغار على الطرقات
يمر البحر علي أحياناً
ويتفاجأ بملوحة الدمع
أنا النهريّ المُشرع على الشواطئ الآهلة
يمر علي الفرات أكثر الأحيان
يمر بنوارسه وبمراكب الصيد الصغيرة
بجزره الفتيّة وأشجار الفلاحين
يراني على الشاطئ أبني بيوتاً واطئة من الرمل
تسرقها الأمواج الهائجة
أبني وتسرق الأمواج
أبني ويرتفع النخيل ويتزيّن بالأعشاش
أصدقائي البحّارة المغامرون
يأكلون المحار ويتعاطون الأحلام الضارة
ويسكرون بالشغب.

**

اللغة شبح المعنى 
اللغة جسر بين هاويتين
أرجوحة النفس وواديها السحيق
ليس من السهل الإمساك بالمعنى
ما يحدث يقطع مشيمة الجنين قبل الولادة
الاغتصاب كلمة تجرح حتى الجماد
صرخات الضحايا جثث مطفأة في الليل
تحدث إلى الآن في سراديب وغرف التحقيق
في الحدائق والحانات
في مداخل المدن ومخارجها
حواجز العسكر وأشباح النهار
بلاد ملطخة الفخذين بالدم والصليل
بلادي فحيح أفاع وصئيّ عقارب
يحدث في العلن
كأنه عقوبة مشروعة على الناس
ومكافأة العالم للطاغية.

**

من يغتصب من؟
العالم أنشوطة الجلاد حول عنقها
على ربيعها سياطه لم تتوقّف
الأسئلة لا تغتصب الحقائق
الخوف يفعل ويزكّيه الظلام
الحرية تفتح القيود
الاغتصاب يسكّر الشبابيك ويطفئ الأنوار
المرايا تقلّد ما ترى
والينابيع تصفّي رؤية وتبتكر رؤيا 
الظلال تذوّب الأشياء وتغلق المسام
الشمس تجرح الدمامل وتُخرج الصديد
هكذا في الصمت تطرأ الجريمة وتستمرّ
الشاعر يجترح الأغاني ويقوّم المعنى
الخوف غير الخوف
الليل ليس الليل الذي نعرف
الصباح ثمرة في متناول اليد
والحياة شجرة الضوء وطعم الماء
الشاعر يغني ويهزّ الشجر.

**

لا يصدقك الناس
أي بلاد هذه؟
وعلى أيّ كوكب؟
تُغتصب وتشلّع أظافرها وأشجارها
آلاف الصبايا يفقدن ما يُسمّى الشرف
فقد العذرية ليس بانتهاك البكارة فقط
الأرواح التي ينكسر زجاج شبابيكها
الظلامات والوسواوس التي تلتهم الروح
تطير عن أسطحها الحمائم ولا تعود
تقتلع الابتسامة من الجذور
لا يصدّق أحد هذا الدم الذي يطفح من الكلمات
الصرخات المخنوقة تزحف في الظلام على أسمنت الزنازين
المخالب التي تحرث الأجساد وتزرع السموم
رماح الدم الخارجة من العيون
اصطفاف البحار بالدور لابتلاع امرأة أو شيخ بأحزانه
تتقاسم أجساد الأطفال الغرقى مع الشواطئ.

**

هذه الشجرة تفهني
لا أشرح لا أعلّق لا أغير وجهي
ولا أخفي الدمع
أبتسم تقول لي هذا حقك المشروع
وأنت خارج من الاغتصاب
افتحْ قلبك وجرّ الحياة إليه
العيش أشجار كثيرة
الطيور أعشاش وأجنحة
من أين ستستعير المزيد من الدمع؟
حقك بالعيش ستفهمك كلاب الحديقة
العجائز يتحسسن نهودهن ويتحسّرن
الصبية تجاملك وتبتسم
كأنها تعدد مزايا الصباح
ربيع يجلب معه العشب والفرح
وأنت تعود إلى البيت رغم الاغتصاب
معك كلبك وابتسامة وقصيدة.

**

قبل وباء الاغتصاب
بحر بين كاذبتين وحزمة خسائر
كنا نجوب الازقّة وقلوبنا
من ماء وطحين وشباب
طوال سُوَر العاشقين علينا
ونغني مطالعها ونترك للصروف الخاتمة
نتحصّن من الارتزاق بالحلم والألم
وكنا نختم حين لا يطيب لنا الخمر
الحقول تعمدنا بالبذار وتذكرنا بالخير
الجراد الشقي يعتب على دخان حرائقنا 
ويظل في الأعلى
نعبر الليالي كاقمار سكرى
نفتتح عرس الشمس
بتلاوات الزهر وعَرَق المتعبين.

الدمعة اغتصاب الفرح
أو رقصته وغرغرة ماء العيون
الدموع رفيقاتنا الدائمات
قبل الاغتصاب دموع
بعد الاغتصاب دموع وغصّات
في الأفراح والأعراس
في الوداع واللقاء
في التأجّج الشديد
في وحدة القلب المكسور
في ليالي عاشقة يعصر قلبها الحنين
لا نغادر الدمعة
تسكننا وتطوّب لنا ذكرياتها
وقلوبنا تميل إلى الفرح
تتبعنا أينما التفتنا تدور حولنا
نعتذر ونذهب إلى الأعراس
في أيادينا الورد وعلى شفاهنا الأغاني.

**

ساتخلّى عن قصيدة الاغتصاب
أنتظر تلك الأجراس
تعلنكَ على المدى
أيها الحب أعدك لن تنتظر طويلاً
بعد أن أفتح آلاف الأبواب!
خلف كل باب حكاية مأتم أو عرس
من لحم ودم وروح
أيتها الزنازين طلّقي الظلام والجدران
فوقكِ سماء وحولك طيور
دمها أخضر وبناتها فراشات
مئة أغنية لا تكفي حالة اغتصاب واحدة
لا تكفي فتح الفخذين

على الدبكات وطلقات الرصاص
لا يكفي دم البكارة الذي لوّث 
سراويل البنات
ولا منيّ العسكر على فساتين النساء
لا تكفي نزيف دموع الأمهات 
والدموع التي شربتها أعين القتلى
ولم يرها أحد.

**

أنتظر أن يتجاوز قصيدتي الاغتصاب
عندي الكثير مما يحتاج الغناء
تمرّ بي مجزرة
وتخرج لسانها الدامي
أنا صاحب البيت
جعتُ وأكلتْ لحمي الضباع
أيام ربيعية مطعونة بالخريف
هذه الجثة لي
قدم أقصر من قدم
جاهز للرقص ولكن
ينقص “سنسول” ظهري بعض الفقرات
تنقصني عين حتى يكتمل جمالي في المذبحة 
افترسني الجند ووزّعوا
ما تبقى من عظام جثتي على الكلاب
قلبي الذي أحببتُ به الناس
وضعوه للبيع في ثلاجة تصدير الطاغية.

**

يفغر قلبكَ هكذا فجأة
وأنتَ في عرس أو مهرجان
قلب يتوجّع على البلاد 
غير قابل للتفاهم
اغتصاب مريع للفرح
هل تستسلم وتسفح ماء روحكَ 
على الألم؟
أنتَ مُبَشّر بريعانكَ
اغتصاب يكتم أغانيك ويمنح البكاء سطوة على الأيام
فتّش من حولك عن مؤونة فائضة
تركتها حين كانت الطفولة
تلفّ لك صندويش الماء والسكر
كانت الأيام حلوة على مرارتها
والأحلام جداء تتقافز حولك
والحب توزّعه حتى يزيد
عن حاجة وبخل الأعياد!

**

طال الاغتصاب الذي تكتب عنه
توجّعت وردة وهي تسرد حكاية عنكَ
خنجر من ماء ما تحمل الغيمة
الطعنة عشبة أو زهرة
طعنة قريبة فيها دم منتحر
طعنة بعيدة تفصفص اللحم عن العظم
ليس من بينها طعنة عشق
أو طعنة شوق مسستفحل
طعنة تشفي الميت
وطعنة تردي الأحياء
طعنة الماء طعنتك
ولا يعلم من كشط حتى العظام
طعنة كلام تحيي
وطعنة يأس تردي الأحلام بجبروتها
أنهي ما بدأت وحدي
وليس عندي صورة تذكارية مع الاغتصاب!

**

هذا ليس اسمي
اسمي العلني اغتصاب
ولي اسم سريّ لم يتم التوافق عليه
الشهود قتلى أو مجانين أو نصف نصف
المكان ليس مغارة علي بابا
مكان جميل ومشعّ وحيّ قبل الاغتصاب
اسمه الفصيح: سورية
بستان من شعوب شهيّة بفصولها
صالحة للحب وحرية الجذور 
علّبها الطاغية وباع شموخها للنخّاسين
توارث على اغتصابها العسكر
من الأب إلى الولد 
ولن يكون إلى حفيد مجنون وطاغية
تشبه قصيدة عشق ونشيد
صبيّة من آلاف السنين
هذا اسمها الحركي
ذُلّ الطاغية وشموخ هامة قاسيون
اسمها السريّ دمعة دمشق 
وقيودها تتآكل مثلما تجري أنهارها 
ومثلما لا ينسى قصيدتي الفرات.

**

أيها المطر المتأخّر
علي الخذلان قبل أن أراك
أيها النشيد الحزين الذي طال
غنّيتك حتى ضاع صوتي
اغتصاب بطعم امراة تتنكر بلا ثيابها
تختبئ في النور 
حتى يصرخ الظلام من الوجع
هذه أنا أيها الضابط المفترس
اغتصبني وتقاسمني أنت وجنودك الجوعى
جسدي المشاع رأئحة أمّك
شعري شعر بنت مراهقة تناديك:
“ترفق يا أبي
حملتني على كتفك صغيرة
قبل أن يطقّ زهر عانتي ويشتهيني جنرال فاحش مثلك
نحن صبيتان من طين واحد

أنا وابنتك توأمنا القمح والعصافير

 شراع يراقصه نفس الهواء
تحت سرتي ما أخفيه عن أبوّتك
علّق نياشينكَ على الحلمات 
كي أتوجع وتكمل ما بدأت
ويصير لائقاً برجولتك ونياشينك أفدح الاغتصاب!

**

أخرطش القصيدة وأطلق
على الصباح الكسول وردة وزقزقة
صباح الحقيقة الساخر والموجع
على كل شيء كسول
إلّا الموت إذا تكاسل
أحطّ رأسي على ركبة الحلم وأحاول النوم
العصافير الكسولة تتذمّر
شمس تلتحف غيابها وتنام
أنظر حولي وأتأكّد أني على حق
اغتصابات تتباهى بموتاها
كلها على سمع ومرأى شهداء الزور
بيدي قلم الكحل أزيّن عينيّ صبيّة 
لم تكمل زينتها قبل أن يغتصبها وحش وتموت
ألتقط صوراً على الماشي
قبل أن تنزف الكاميرا آلاف الناس

بوجوه مدماة وتصبغ وجهي
أصرخ دماّ لا يجف ولا يتجمّد
أخرطش القصيدة وأطلق على الظلام
أين أروح بأغنيتي المفرحة؟ 
تمرّنتُ عليها من حول إلى حول
أهز الصباح:  
هناك من ينتظر في الظل
بيته الرحيل وأقدامه الطرقات.

**

منذ الولادة قبل الاغتصاب
صفحة الموتى تطالب بصورتي 
وأنا أمتنع
اسمي في النعاوى 
وأنا على مقاعد المعزّين!
في سجلّ الوفيّات ولي نصيب من ورثة أحياء
هذه هي الحياة أيها المغفّلون
بنات وطفولة وأمّهات يرجعن الروح
حب وشرر احتكاك جسد بجسد
خبز نبيذ وفلافل ساخنة
بيرة الأصحاب بطعمها تختلف
فاكهة وشعر ومواعيد
طفل السياسة يقرأ الواقع البائس بحب
فرات وصيف وسباحة حتى الغرق
أنجم محطات قطارات مليئة بالمسافرين
تحايا وقبلات على القارعة وفي الظل
صباحات وفناجين قهوة وغناء
لن أمنحك صورتي أيها الموت الخائن 
الحب حقيقتي أيها المزوّر الوقح
انا الصبي الشقي حتى الوله

دمعة مقسومة بين شهيدين
في تلك الحارات صوري على الجدار 
وفي قلوب الناس.

**

نهار لا يشبه الآخر
يحاصرني الاغتصاب كل الأوقات
انشغالات كثيرة لا تتوقف
فلاح يمرّ من فصل إلى فصل
في كل فصل يحرث أرض اللغة والكلام
ينثر بذاره الغريبة
فتخرج من باطنها الأعاجيب
يستريح من عبء لا يشبه غيره
والاغتصاب أولويّة في حسابات القصيدة
ينتقل الشاعر من معنى إلى آخر ويعود
تصفية حساب موت عسير
على كل الشاشات والجرائد
الجزّار بوجهه الدامي المعروف
لم يغيّر لون ملابسه القاني
بيده الطائرات وحوله
يجتمع بالعالم وياخذ صوراً بالألوان
كأن دم الشعب الذي على أنيابه
دم مليون فرخة مذبوحة

كما تتطلّب شريعة الغاب الجديدة.

**

فتافيت الشمس على الشبّاك
أريد أن أكتب الأغتصاب في العتمة
في الظلام لا يسمع صغار بلادي نحيبي
نيام وفي عيونهم رفّ بديع من الحمام
عراة يسبحون في كوثر جنّة الحلم الأخير!
وأتوهّم أنني نائم وأفيق على صوت الّسياط
نائم وأحلم ببرك دم يتفاور ويستغيث
في كوكب ثان هذا اغتصاب المستحيل
والاستغاثات من عالم آخر
أتحايل: لا طائرات فوق إدلب
لا براميل تي إن تي
الانفجارات والدوي الهادر
صوت مدفع الإفطار الحنون في رمضان!
والموت متوفّر أكثر من الخبز.

**

 عن الاغتصاب
هل يفيد الحديث في التفاصيل؟
هل يتّضح حجم الجريمة:
امرأة يُنتف شعر عانتها باليد أمام العائلة
يتمرّغ كبرياء نهديها 
على بلاط متسخ بالقيء والدم
تستتر في كل مرة بيديها العاريتين
لا تعرف ماذا تستر!
الأمام أم الوراء
عيناها تُغتصبان
فمها يُغتصب
عُشّ الخلق ما بين الساقين
لا ينجو منها شيء
حتى حين تلتفّ على بعضها
وتصير جنيناً في رحم الزنزانة!

**

لا يفيد تجميعُ الاغتصاب
بالمفرد أفتح حساب الدموع
بحر يتلاطم فيكَ أيها الشاعر

بحار أخرى تدرّب حيتانها
بحر لا يستقر ولا يستكين
النساء خسوف الورد ودمل الاغتصاب
فصفصتْ الضباع البشريّة اللحم عن العظم
كل امرأة جريرة العالم التي بلا حساب
لعق الدب الطائفي عسل السوريات
كلّ هذه الخسائر الجميلة
في قائمة حساب زمن بلا رأس مال
قرصان بلا قدم خشبيّة
لعب بحسبة البلاد 
بحر بلا أمواج ولا نوارس
امرأة بنهديها تُرضع العماء
وأنا من حزني وغضبي
سفحت مائي وحرّكتُ الفرات الرجراج
نطحت الصخر حتى تناثرت أجزائي
فمن يلمّني من يلمّ بعثرتي القصوى؟ 
قبل أن أصير موجة من كيمياء وزبد.

**

سفح العسكر أنوثتكِ أيتها البلاد
قد أعود إليكِ 
لم يبق لي مكان خارج هاوياتكِ الكثيرة
دمك المسفوح هويّة 
على ملامحي يأخذ راحته النزيف
غيّر الاغتصاب ملامح الحلم
زرع شجراً مدبباً في عيونكِ

قال هذه أمّكَ في الخوف

دهن يديها وحليبك المسفوح على التراب
رتّب أولويات الموت
غيّر قوانين التحليق:
العصفور حجر يهوي
المعدن من يمتلك أجنحة الفضاء
النار ليست في مواقد الجوعى
تلتهب في أفئدة الناس
الحب هويتي 
أسأل الطفولة:

أينك أيها الحالمة؟
معك أمّك لا يفزعك الغول!
لن تقتلعك من بين ذراعيها ريح الاغتصاب.

**

حكيت القليل من فاجعة الناس

الآه هي الآه

الصرخة هي  الصرخة

أصرخ مثل أي بنت أو امرأة

 يصطدم صوتي بجدران عالية

بالمقابر ومكبّات النفايات

الجثث في عراء الله

أنزف اللغة وينزفْن الدم

 مقطع الخاتمة قبل أوانه

تردد أصوات الناس كما تأوّهت

مخارج الأحرف المنطوقة وقت خروج النفس

كتبت قطرة من بحر الاغتصاب
سينتهي السِفْرُ وأنا ما زلت على الشاطئ
لم يهفهف لي فوقه شراع
ولم يطر نورس
في الحرف الأوّل من الملحمة سأنتهي
في سجلّ الخرافة متسع لكل شيء 
كذا ألف امرأة

في خشوع الأجراس وغليان وتبركن الدموع
لم يُتح لي مسح دمع أعين مدينة واحدة
لم أستر بوجعي عريها
ولم أسوّر نهديها بالكرامة
لم أضع رأسها على وسادة
لم أطبطب على جرحها العميق:
نامي يا أمي يا أخت نامي
وقبل أن تغسلي عينيك من مشهد الاغتصاب
أبصقي على شرف هذا الزمان.

**

تنام البنت على صدر أمها

تسأل ببراءة عن دمها الورديّ البكر

عن القطرات الأولى من عادتها الشهرية المفاجئة

ليس ذنبها أن يتفتّح نهداها باكراً وتشمخ الحلمات

من قريب نبتت أسئلة البراءة على فمها:

“شو أعمل يامو، شكون هذا يوم؟”

أجوبة الأم ضحكة وفرح:

“استحي يا بنت!”

قبل أن يصبح نهداها لعنة عمرها البريء

قبل أن يكتشف جمال طفولتها الغول

وترهن إلى الجنون كرزتين عمياوين

قبل أن يكتشف العالم اغتصاب طفلة واحدة برحيقها

  تفترس ديناصورات بشرية آلاف الصغيرات

 جحيم أعراس الطاغية وطوفان خرافة العسكر.

**

كيف يختتم شاعر ملحمة الاغتصاب هذه؟

ينسج من أشلاء جسد عروس ثوب فرحها

 عسكر يداهمون الحي، يفتّشون حتى سراويل النساء

 بحثاّ عن لا شيء!. 
بنت في عز طفولتها، تقف بين أخوتها

صغار لا يتوقّفون عن البكاء ويختلجون

 يبكون ويختلجون
لم يستطع الرعب أن يخفي صدرها الناهد

 ولا عينيها العسليتين
الجنرال فجأة يصبح أكثر رقّة

 ينظر إليها بشهوة الافتراس

ويعطي الأمر للجنود بالكفّ عن التفتيش

 والخروج من البيت قبل أن ينقلب راساً على رأس  أسوة ببقية بيوت الحي السابقة 
يرتاح الأب والأم لطيبة الضابط المفاجئة

 ولا يعرفان كيف يشكرانه
ــ “مابدنا نكمل تفتيش، يبدو انكن ناس طيبين،
بس ديروا بالكن تدخلوا حدا من المسلحين”

 ينظر إلى البنت التي تحاول أن تتوارى خلف أخوتها من عينيه الناهشتين
تفحّصها مراراً وخاطب الأم بلهجة سيّد:
ــ “هي بنتك مو هيك؟
ــ إي بنتنا الله يخليلك ولادك
ــ إنتو من اليوم تحت حمايتي
وبنتك شو اسما؟
الأب يرد بتوجّس،

 يرد الأب وقد خمّن بماذا يفكّر الجنرال:

ــ هي بنت صغيري
بصوت حاسم ينهر الأب:
ــ أنا مو معك عم بحكي، عم حكّي امّا
الأم ترد كمن تأخّر عن شيء مهم: 
ــ خادمتك أمينة يا سيدي
ــ هي بنتك لكبيري؟
ــ إي ياسيدي
الضابط وهو يلاحظ رعب البنت:
ــ تعي يا أميني لا تخافي
البنت تنكمش على نفسها أكثر
الضابط يذهب إلى البنت ويقودها من يدها ويتوجّه إلى الأم
ــ أنا ماني متل غيري، أنا ما بغتصب حدا،

 أميني صارت من اليوم مرتي
الأب يسارع ويجرّ البنت من يد الضابط
ــ البنت طفلي ما كملت الخمستعش
الضابط بصوت مرتفع وغاضب
ــ أنا قلتلك لا تتدخّل، وبصوت كاذب:

 سكتنا عالسلاح الي مخبينه وما كملنا تفتيش،

يحوّل كلامه ويخفف طبقة الصوت بعد أن أرعب الوالد
ــ أميني صارت مرتي، خديها وجهزيها أنا راجع اليوم المسا
الأم تتوسّل ولم تترك كلمة ممزوجة بالدموع لم تقلها لأقناع الضباط

ــ لا تكثري حكي، جهزيها كويّس وفهميها مين بكون!

**

يدخل الجنرال بيت العائلة المغتصبة بكلّ المعاني  يعود الجنرال الزوج!

يخرج الجنرال المغتصب!

البنت تكبر وتشيخ في أيام وتشبه البلاد!

يفغر إله صغير في قلب الأم

الأب جدار منهدم

عامود بيت تهشّمت تحته الأرض

ترفع يديها إلى الأعلى:

“تعبتُ من الصراخ

لا أريد أن أكفر بكَ يا إلهي!

لستَ ربّ السفهاء والظلمة

لستَ ربّ الاغتصاب وشريك المغتصبين!

أنت ربّ المساكين والضعفاء!

لم يبق صبر عندنا يا  إلهي!

مازال وقت طويل

على نهاية الطغاة والاغتصاب

وقت على كذبة العالم العادل!

وقت طويل على الآخرة!

**

آلاف الحيوات تروح وتأتي

لسان حال صرخة امرأة خارجة من الاغتصاب والسبي

امرأة تشبه هذه البلاد الموعودة بالقيامة!

تنطق بلهجة وجع الناس الفصيح:

 الأشجار ترتدي فساتينها الجديدة كل ربيع

نحن أيضاً ندفع ما علينا من عبادات

صلوات بكامل شذاها

لا نريد اللقمة والستر!

يا إلهي! يا إلهي!

نريد أن نكون جميلين في أعين المغتصبين

لا أكثر!

ينظرون إلى لحمنا بقليل الاحترام!

حتى نبكي اغتصابنا براحة البال!.